صباح الموسوي
من حق أي شعب أن يعتز بعظمائه ويحيي ذكراهم، وهذا ربما يكون أقل ما يقدمه الشعب لأبنائه الذين ساهموا في صنع حضارته و بنوا أمجاده وعززوا مكانته بين الأمم والشعوب الأخرى ‘ خصوصا إذا ما كان الشخص المحتفى به قدم إنجازات تتلاءم مع القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية التي يؤمن بها شعبه‘ أما إذا كان غير ذلك فمن المؤكد أنه لا يستحق الاحتفاء به بل العكس فمن الأولى أن يطمر ذكره كي لا يكون عاراً على شعبه‘ إذا كان هذا الشعب متمسكا بالقيم الإنسانية والدينية ويحترم الشعوب والأمم الأخرى ويقدر خصوصياتها العقائدية والثقافية. إلا أن الأمر في إيران يبدو خلاف ذلك تماما حيث ان الشعوبيين قد تجاوزوا هذه القاعدة وضربوا كل القيم الأخلاقية و الإسلامية بعرض الحائط وذلك من خلال تمسكهم بعنصريتهم المقيتة وجاهليتهم الرعناء التي كانت و لا تزال معششة في رؤوسهم وصدورهم والتي ما انفكت تقطر حقدا على الآخرين‘ ومنهم العرب تحديدا. حيث يجد المتتبع للشأن الإيراني أن طليعة هذا المجتمع هي الأكثر شعوبية من غيرها تجاه العرب‘ فالعنصرية تملأ كتبهم الفكرية و الأدبية و الدينية. وأن ثقافة العنصرية التي يحملها كبار مثقفيهم لهي أعظم بمرات من تلك التي يحمله جهالهم. فكل ما تدّرج احدهم في منصب سياسي أو ثقافي أو ديني‘ ازدادت معه روح العنصرية والحقد على كل ما هو عربي وإسلامي في أحيان كثيرة ‘ و ما على من يريد التأكد من ذلك إلا أن يراجع كتب مشاهيرهم في مجال الشعر و الأدب والفقه والسياسة و الإعلام وغيرها حتى يكتشف بنفسه مدى صحة هذا الأمر. وهنا سوف نضع بعض الشواهد علها تغني عن الكثير من الكلام في هذا الموضوع. فعلى سبيل المثال نجد أحد كبار أستاذة حوزة قم الدينية والأب الروحي للرئيس الإيراني الحالي احمدي نجاد ‘ يضع كتابا باسم " سيد المرسلين" يفرد فيه أكثر من مائة صفحة لسب العرب ويدعي إن ما حمله القرآن من تحذير ونذير إنما هو موجه للعرب على وجه الخصوص، وأن الأقوام التي انزل الله عليها الغضب وأبادها كانت أقواما عربية وقد سميت بالعرب البائدة، وان المعنيين بالجاهلية هم العرب تحديدا. أما الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي أيضا ‘ و الذي هو خريج الحوزة الدينية و يحمل شهادة الدكتوراه في الثقافة وصاحب مشروع ما سمي " بحوار الحضارات "‘ فانه كثيرا ما أدلى بتصريحات تنم بوضوح عن شعوبية مقيتة . فخلال كلمة حول (جمالية) اللغة الفارسية ألقاها في المركز الثقافي الإيراني في مدينة دوشنبه الطاجيكية في أوائل مايو أيار عام 2002م‘ قال خاتمي : " إن الفضل يعود لحكيم الشعراء وشاعر الحكماء أبو القاسم الفردوسي الذي حفظ لنا اللغة الفارسية من الضياع بعد الفتح الإسلامي " . الفردوسي الذي وصفه خاتمي بحكيم الشعراء وتباهى بإنجازه ملحمته الأسطورية " الشاهنامة " والتي تخلوا من الشاعرية،كان قد قال ما قال بالعرب والمسلمين لا سيما الصحابة منهم ‘ ومن ذلك مدحه قتل الصحابي الجليل عبدالله بن حذافة السهمي سفير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى كسرى ملك الفرس حيث امتدح الفردوسي تلك العملية الجبانة في قصيدة قال في بعض أبياتها :كه آمد فرستاده يي پيرو سست نه اسب و سليح ونه چشمي درست يكي تيغ باريك برگردنشپديد آمده چاك پيراهنش و ترجمتها :" لما جاء مرسال ذلك العجوز المتهري و الذي لم يكن لديه فرس أصيلة ولا عين سليمة, فصلت شفرة السيف الحادة بين رقبته و قميصه " .ومن نماذج أشعار الفردوسي العدائية ضد العرب والتي دونها في الشاهنامة ‘ الأبيات التالية. زشیر شتر خوردن وسوسمارعرب را به جایی رسیده است کارکه تاج کیانی، کند آرزوتفو، بر تو ای چرخ گردون، تفووترجمتها : " من شرب لبن الإبل وأكل الضب‘ بلغ الأمر بالعرب مبلغا أن يطمحــــوا فـي تــاج الملك ‘ تفو عليك أيها الزمان الدوار وسحقا ". و كانت قصائد الفردوسي العنصرية السبب في إصدار مفتي خراسان آنذاك فتوى بعدم جواز دفن الفردوسي في مقابر المسلمين . لقد وصف المؤرخ الإيراني المنصف " ناصر بور بيرار" الفردوسي بما يلي : " ان الفردوسي كان يتلقى راتبه من الشعوبيين لينشد شعرا يلبي ميولهم ونزعاتهم وقصصهم وأمالهم وأهدافهم . فهو ليس إلا منشدا للشاهنامة وان فكرتها تتعلق بمجموعة سياسية هي الحركة الشعوبية ‘ و انه كان يرتزق من إنشاد الشعر وعندما انتهي من إنشاد الشاهنامة تزامن ذلك مع سحق الحركة الشعوبية وقمعها حيث لم يبقى احد ليدفع له أجرة كتابة الشاهنامة لذلك فقد وجه السب والشتم للذين كلفوه بإنشادها لأنه اخذ يعاني من ضيق العيش، وهو يتحدث بصراحة عن النقود التي لم تدفع له إزاء كتابة الشاهنامة " . ( صحيفة الزمان عدد 13/2/2002م ). الحركة الشعوبية التي ما تزال تعمل جاهدة لإبقاء فكرها وعقيدتها حية في إيران تمكنت من تحقيق إنجاز جديد لها في هذا الشأن حيث استطاعت إقناع المؤسسة الدينية الإيرانية المسماة " بالحوزة العلمية " بتبني طباعة ديوان "الشاهنامة " لتضفي عليه القدسية مثلما سبق واستطاعت أن تلبس عيد " النوروز " المجوسي لباسا إسلاميا من خلال خلق روايات وأحاديث منسوبة للنبي (صلى الله عليه وسلم ) وأئمة أهل البيت تمجد النوروز وتعده من أفضل أيام الدنيا وذلك تمهيدا لضم الشاهنامة لمجموعة الكتب العقائدية التي تدرس في الحوزة الدينية أو ما بات يطلق عليه فاتيكانية قم . وكمقدمة لهذه الخطوة فقد قام المكتب الإعلامي لفاتيكانية قم بطبع ديوان الشاهنامة على قرص ليزري (سي دي) مدته ساعتان يتضمن ترجمة بثلاثة لغات ‘ إنجليزية ‘ فرنسية و عربية ‘ مع نبذة عن حياة الفردوسي وصورً عن قبره المشيد وتماثيله المتنوعة ومقاطع من المؤتمرات التي عقدت إحياء لذكره. وقد قامت بإنتاج هذا العمل الضخم "مؤسسة نور" التابعة للمكتب الإعلامي للحوزة . ان عمل بهذه الضخامة صرفت عليه أموالا طائلة اقتطعت من حقوق الفقراء التي تجبى باسم الخمس وغيرها من المسميات الأخرى ، من الطبيعي لم يكن الهدف منه مجرد التعريف بكتاب أدبي مضى على تأليفه أكثر من أثنى عشر قرناً و يخالف بمجمله المبادئ الإسلامية والقيم الإنسانية ‘ فلو كان الأمر كذلك لما احتاجت الحوزة الى طبعه من جديد على اعتبار انه قد سبق طبعه مئات المرات وترجم لأكثر من لغة . وهنا يأتي السؤال، مادام ديوان الشاهنامة ليس بكتاب عقائدي أو فقهي إذا ما الدافع حتى تقوم الحوزة الدينية بصرف الملايين من التومانات على ترجمته وتوزيعه بالمجان عن طريق المراكز الثقافية والسفارات الإيرانية المنتشرة في أكثر من مائة وعشرين بلدا في العالم؟‘ و ما هي الخدمة التي تقدمها الحوزة للإسلام ولسيرة أهل البيت عليهم السلام من خلال تبنيها و نشرها هذا الديوان( الشاهنامة ) الذي ملئه سبا وشتما للعرب الذين كانوا أصحاب الفضل بإيصال الرسالة الإسلامية إلى إيران ‘ و ما هي الخدمة التي يمكن أن تقدمها " فاتيكانية قُم " على طريق تقريب المذاهب و الثقافات من خلال طبع و نشر هذا الديوان ألشتائمي؟. فهل هذا فعل حوزة دينية تصف نفسها بالعلمية ‘ أم إنها مدرسة شعوبية تسعى لترويج مناهج عنصرية؟.
كاتب احوازي
هیچ نظری موجود نیست:
ارسال یک نظر