۱۳۸۸ خرداد ۱۱, دوشنبه

انفجار زاهدان والمأزق الأمني الإيراني

مرة أخرى تطفو على السطح مشكلة الأمن والاستقرار في منطقة تعد واحدة من أكثر المناطق الإيرانية حساسية وأهمية ‘ من الناحيتين الامنيتي والسياسية‘ وذلك بسبب موقعها الجغرافي وتركيبتها الإثنية والمذهبية ‘وهي منطقة إقليم بلوشستان التي تقع شرق وجنوب شرق إيران وتحادد كل من أفغانستان وباكستان‘ بالإضافة الى محاذاتها لساحل بحر عُمان. وقد شكلت هذه المنطقة على الدوام خاصرة إيران الرخوة وذلك لتعرضها الى هزات سياسية و خروقات أمنية كبيرة بسبب موقعها الجغرافي من جهة ‘والإهمال المتعمد لأوضاعها الإنمائية وبناها التحتية نتيجة سياسة التمييز العنصري والاضطهاد الطائفي الممارس ضد سكانها من قبل الأنظمة الإيرانية المتعاقبة‘ من جهة أخرى .
فبحسب الإحصائيات الإيرانية الرسمية يعد إقليم بلوشستان ذات الأغلبية البلوشية السنية‘ أفقر المناطق الإيرانية رغم ما يمتلكه من ثروات وموقع اتجاري هام . وقد تسبب هذا الإهمال في تحول المنطقة الى مرتعاً خصباً لمافيا المخدرات التي يجد بعضها دعما من أجهزة و دوائر حكومية الأمر الذي كان باستمرار سببا ً في حدوث المعاناة والمشاكل الأمنية في المنطقة ‘ وهي مسألة شكلت عبئاً كبيراً على سكان الإقليم قبل ان تكون عبئاً على الأنظمة الإيرانية المتعاقبة التي بقيت باستمرار تشكو من هذه المسالة غير إنها رغم ذلك تعمدت إبقاء الوضع على ماهو عليه من فقر اقتصادي وتخلفا ثقافيا وعجزا خدماتي كبير .
لقد شهد إقليم بلوشستان في العهد البهلوي انتفاضات و حالات تمرد عديدة ساهمت بشكل كبير في إسقاط نظام الشاه وساندت بقوة قيادة الثورة ( الإسلامية ) التي نادت برفع الظلم وتطبيق المساواة بين الشعوب والقوميات الإيرانية ‘ غير ان هذه المساهمة الفعالة في الثورة و إسقاط نظام الشاه لم تؤدي الى تحسين أوضاع المنطقة و لم تشفع لها برفع الاضطهاد عن الشعب البلوشي ‘بل ان الشواهد الظاهرة في الإقليم تؤكد باليقين ان أوضاع المنطقة قد ساءت أكثر مما كانت عليه في عهد الشاه ‘ وهذا ما تأكده التقارير الرسمية و الأحداث الناجمة عن هذا الحرمان والظلم المستمر . كما ان سياسة التمييز المطبقة ضد البلوش عامة و أهل السنة خاصة ‘ قد أخذت أشكالا وأبعاداً مختلفة ليس أولها تغير الطابع الديموغرافي للمنطقة ( تهجير السكان الأصلين وتوطين الفرس وقوميات أخرى محلهم ) و لا آخرها التضييق على الممارسات العبادية ‘حيث جرى هدم وإغلاق العديد من المساجد والمدارس الدينية لأهل السنة ‘وجرى سجن وإعدام واغتيال العديد من علماء وطلبة العلوم الدينية من البلوش‘ وهذا ما لم يسبق حصوله في النظام البهلوي رغم عنصرية ودكتاتورية ذلك النظام .
هذه السياسة والممارسات العنصرية والطائفية من قبل نظام جمهورية الملالي ‘ دفعت بعلماء الدين ومثقفي الشعب البلوشي مرات ومرات بتوجيه النداءات و رفع الشكاوي و المطالبات الى قيادة النظام وعلى رأسها مرشد الثورة في التدخل لوقف الاضطهاد الممارس ضد البلوش وأهل السنة غير ان تلك النداءات لم تلقى أذاناً صاغية بل ان الاضطهاد اخذ يزداد مرة بعد الأخرى ولم يترك مجالا أو فرصة لأحد ان يوقف فورة الغضب التي باتت تعم الشعب البلوشي الذي وجد أبناءه أنفسهم أمام الأمر الواقع الذي دفعهم لمواجهة سياسة الاضطهاد والظلم الفاشي الممارس ضدهم من قبل نظام جمهورية الملالي . ولهذا فقد شهد الإقليم تشكيل حركات وتنظيمات سياسية مال بعضها لممارسة العمل المسلح كوسيلة لوقف عنف النظام وتحقيق المطالب المشروعة لشعب البلوشي . وكان من بين هذه التنظيمات حركة " جندالله " التي تأست في عام 2002م على يد احد طلبة العلوم الدينية الشابة وهو " عبدالمالك ريغي " وأصبحت هذه الحركة بفضل الدعم والتأييد الذي حظيت به من قبل الشعب البلوشي ‘ من أقوى وابرز الحركات العاملة في الإقليم حيث استطاعت توجيه ضربات موجعة لقوات نظام الملالي ‘ سواءا من خلال العمليات العسكرية التي نفذتها ضد القوات العسكرية والأمنية العاملة في المنطقة ‘ أو من خلال فعلها السياسي والإعلامي والذي تمثل جانباً كبيراً منه ببث و نشر اعترافات العديد من المسئولين السياسيين والقادة الأمنيين من عناصر السلطة الذين استطاعت الحركة اختطافهم أو أسرهم‘ حيث كشف هؤلاء من خلالها اعترافاتهم الكثير من الخطط والأسرار والسياسات التمييزية التي نفذتها السلطات الحكومية أو تسعى لتنفيذها في الإقليم ‘ لا سيما فيما يتعلق بعصابات تهريب المخدرات و التي يتخذها النظام حجة لتصفية المناضلين البلوش ‘حيث اعتادت السلطات الإيرانية نعت هؤلاء المناضلين" بالأشرار ومهربي المخدرات " . كما أثبتت اعترافات هؤلاء المسؤولين ان هناك أجهزة وأشخاص يشغلون مناصب عليا في النظام يدعمون هذه العصابات وان هناك مطارات خاصة لتهريب المخدرات في إقليم بلوشستان تقع تحت أمرة الحرس الثوري الإيراني ‘ وقد شكلت هذه الاعترافات ضربة قوية لنظام الملالي وعرت الكثير من تبريراته السابقة لقمع الشعب البلوشي والحركات السياسية البلوشية.
ان النظام الإيراني وبدلا من اللجوء الى منطق الحكمة في تعامله مع الشعب البلوشي من خلال توفير الخدمات للمنطقة ورفع الحرمان و وقف سياسة الاضطهاد و التمييز العنصري والاضطهاد الطائفي‘ لانها حالة التمرد وحفظ حدود وأمن البلاد ‘ وقطع الطريق على من يصفهم دائما " أعداء" الوطن والثورة الإسلامية ‘حسب زعمه ‘ نجده وقد اخذ يزداد تعنتاً وإجراماً حين بعد حين ‘ و هذا ما زاد من تصعيد العنف وتأزم الوضع الأمني والسياسي ‘ ليس في إقليم بلوشستان وحده وحسب بل و في عموم البلاد. ولعل الانفجار الذي استهدف مسجد و حسينية " علي بن أبي طالب " في مدينة زاهدان عاصمة بلوشستان مساء يوم الخميس الماضي بواسطة حزام ناسف فجره احد عناصر "جندالله " و راح ضحيته العشرات ‘بينهم العديد من عناصر الحرس الثوري و مليشيا الباسيج ‘إذا ما قورن الانفجار بالتهديدات التي أطلقها الناطق باسم حركة جندالله " كمال ناروئي " قبل أيام من خلال تصريحاته التي أدلى بها لصحيفة " الوطن الكويتية" والتي توعد فيها بتوسيع رقعت التفجيرات التي سوف تطال طهران ومدن إيرانية أخرى ‘ فان هذا يؤكد بما لا يدع مجالا لشك ان إيران مقبلة على مأزق امني وسياسي كبير‘ وهذا يتطلب من جميع الشخصيات و القوى في السلطة التي توصف بالمعتدلة ‘ ان يلجموا الأطراف المتهورة والجماعات المتطرفة‘ طائفيا وقوميا ‘في النظام ‘ و ينصحوا مرشد الثورة ان يأمر بوقف سياسة القمع والاضطهاد ‘ ليس ضد البلوش وحسب‘ بل و ضد سائر الشعوب والأقليات القومية والدينية في إيران ان هم أرادوا فعلا التخلص من المأزق الحالي و درء الخطر القادم عن بلادهم .

صباح الموسوي
كاتب احوازي
‏29‏/05‏/2009

هیچ نظری موجود نیست: